الأحد، مايو 18، 2008

الرئيس والزعيم


بقلم فهمى هويدى


كما أنه ليس كل من ركب الحصان خيالاً ، ولا كل من لبس العمامة إماماً ، فليس كل رئيس زعيماً ، ولكننا فى العالم العربى درجنا على الخلط بين الاثنين ، واعتبرناهما شيئاً واحداً ، حتى أصبح إعلامنا يتحدث عن كل رئيس باعتباره زعيماً ، ويصف كل لقاء بين رئيسين أو أكثر بأنه مباحثات بين الزعماء ، وهذه مبالغة مسكونة بالتغليط ، أعتبرها من إفرازات زمن الادعاء وتآكل المعنى ، وتغطية خفة الأوزان بالنفخ فى الألقاب .

وقبل أن أعرض ما عندى فى الموضوع ، فإننى أحذر من إساءة الفهم ، حتى خطر لى أن أستهل كلامى بعبارة " الخبثاء يمتنعون " ذلك أن أكثر ما يعنينى فى الأمر هو ضبط المصطلح والتدقيق فى مضمونه ، ولا أستبعد أن يكون ذلك الحرص متأثراً بالحاسة التى نمت عندى حين أمضيت أكثر من عشر سنوات سكرتيراً للتحرير ، كان من بين مهامه أن يدقق فى مضمون الخبر وسلامة صياغته ومفرداته ، وهو ما جعلنى أستشعر وخزاً واستنفاراً كلما وقعت على خطأ مهنى أو لغوى فيما تنشره الصحف ، وكان ذلك الخلط المستمر بين مصطلحى الرئيس والزعيم من بين ما يستوقفنى بصفة تكاد تكون يومية .

فى كل مرة كنت أتذكر كلمات شيخنا محمد الغزالى حين قال لى إنه قرأ ذات مرة فى إحدى الصحف خبراً عن لقاء وزير خارجية إحدى الدول الخليجية مع وزير الخارجية الأمريكى ، وذكرت الصحيفة أن الوزير قابل " نظيره " الأمريكى ، وهو ما أضحكه ودفعه إلى التساؤل ، بأى معيار اعتبروه " نظيره " ووزن أحدهما ألف ضعف وزن الآخر ؟

هذا السؤال كنت أردده كلما طالعت خبراً عن تصريحات الزعيم أو لقاء الزعماء ، إذ كنت فى كل مرة أقول : بأى معيار اعتبروهم زعماء ؟ حكام ورؤساء على العين والراس ، لكن زعماء لا !

فى المعاجم : فإن الرئيس هو سيد القوم وصاحب الأمر فيهم ، أما الزعيم فهو القائد ، وهو أيضاً الكفيل ( فى النص القرآنى : وأنا به كفيل ) - وفى بلاد الشام فإن الرئيس اعتبر رتبة عسكرية تعادل النقيب ، والزعيم رتبة أيضاً تعادل العميد .

الفرق بين الرئيس والزعيم كبير ، لذلك فليس كل زعيم رئيساً ولا كل رئيس زعيماً ، وقلة من الحكام هم الذين جمعوا بين الصفتين ، رغم أن رؤساء كثيرين تمسحوا فى الزعامة فى حين أن الزعيم يظل محتفظاً بثقفه وحضوره فى أى موقع .

الرئيس وظيفة ، فى حين أن الزعيم رسالة ودور ، الأول يمشى على الأرض وغارق فى الواقع ، بينما الثانى يظل مشغولاً بالحلم ومشدوداً إليه ، والرئيس يملك سلطاناً يفرض به إرادته على الناس ، أما الزعيم فإنه يملك قوة معنوية يؤثر بها على الآخرين ، والأول مسنود بقوة القانون والدستور ، والثانى مسنود بقوة المجتمع وثقة الناس ومحبتهم ، والأول لحظة فى التاريخ ، أما الثانى فهو إن لم يصنع التاريخ ، فإنه يحفر اسمه على جدرانه ، والرئيس إذا ترك منصبه يتحول إلى فرد عادى كسائر الناس ، أما الثانى فهو يظل فى قلوبهم ومحمولاً على أكفهم طول الوقت .

والأول يحتاج دائماً إلى كرسى الرئاسة لكى يجلس عليه ، أما الثانى فليس بحاجة إلى كرسى إذ تظل قامته كما هى ، بالكرسى أو بدونه .

من الرؤساء من يشغلون مناصبهم ثم يغادرونها ، ولا يذكر الناس لهم إلا أنهم كانوا جزءاً من جغرافية المكان ، أما الزعماء فإنهم يظلون جزءاً من التاريخ أثناء شغلهم للمنصب أو بعد مغادرتهم له ، لذلك فإن الرؤساء يموتون بمضى الوقت ، فى حين أن الزعماء يظلون أحياء طول الوقت ، فالأولون لهم مدة للصلاحية ، طالت أم قصرت ، أما الآخرون فصلاحيتهم ممتدة بطول الزمن .. والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق