الثلاثاء، يونيو 07، 2011

نحو بناء مؤسسات للتحليل السياسي

عندما تم الإعلان عن ثورة التغيير فى 25 يناير وتبنت جماعة الإخوان المسلمين قرارا خطيرا ألا وهو الوقوف إلى جانب المطالب المشروعة للشعب المصري وقد كان قرارا تاريخيا نال القدر الكبير من التوفيق مما أدى إلي نجاح هذه الثورة … رغم أن القرار كان في إطار منظومتها الإدارية البسيطة لعدم وجود مؤسسات كبيرة لصناعة القرار تقوم بدراسة الوضع بصورة موسعة وعميقة إلا أنها معذورة فلقد أعاق إنشاء تلك المراكز المطاردات الأمنية المستمرة ،
ولكن هذه النتيجة لا تمنع أن يكون القرار في المستقبل مبنى على مؤسسات لصناعة القرار كما في الدول والمؤسسات الدولية الأخرى بل واستخدام ما أتيح من العلم والتكنولوجيا لبناء هذه المؤسسات ،
ولقد كان غياب هذه المراكز أمرا محيرا أمام الباحثين وكان السؤال الملح كيف يتم اتخاذ القرار داخل حركة الإخوان المسلمين على الرغم من ضخامة الحركة وامتلاكها القدرات على ذلك ، وعلى الرغم من وجود المكاتب الإدارية ومجالس الشورى ومكتب الإرشاد إلا انه من المعروف مدى المعاناة التي يكابدها أعضاء هذه الإدارات في جمع المعلومات المختلفة الخاصة لكل موضوع ومدى وفرة الوقت للبحث في التفاصيل ومدى تنوعها والتي يعجز الكثير من المشاركين في إبداء الرأي عن الإحاطة بها وأين تلك الجهات المتخصصة في البحث التي تدعم اتخاذا القرار
وكان هذا محور سؤال الدكتور عمرو حمزاوى في جريدة المصري اليوم منذ عدة سنوات عن العقل الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين ثم توصل في استنتاج آخر الى عدم وجود مؤسسات واضحة أمامه أو غياب هذه المؤسسة .
لقد طارد النظام السابق جماعة الإخوان المسلمين ولم يعطها الفرصه لإقامة مراكز متخصصة لدراسة وصناعة القرار … فبطش النظام بمركز الأمة الذي أنشأه القسم السياسي في الجماعة واعتقل عدد من أعضاءه كان منهم الدكتور محمد عبد الغني والسعدني البري والمهندس محمد البشلاوي وخيري عمر مدير عام المركز ومحمد قاسم وحمدي عبد الظاهر وأحمد العجيزي في عام 2006 أثناء مساندة الإخوان لمؤسسة القضاة في مصر وبدلا من أن يكون المركز جسرا للتفاهم حتى على المشترك مع النظام أصبح تهمة للإخوان هذا ما عانى منه الإخوان قبل الثورة .
أما الآن فقد ظهرت الحاجة الملحة إلى أن تأخذ هذه المراكز دورها المعروف في تقديم الدراسات والتحليلات المستندة إلى رؤية علمية تساعد متخذي القرار داخل حركة الإخوان المسلمين وأصبح واجب عليها في ظل زوال الموانع التي أدت إلى عدم وجودها بعد زوال النظام وأصبح للجماعة المقرات وتواجدت بصورتها الطبيعية ،
ومن المعروف أن أول ما تقدمه هذا المؤسسات التحليل السياسي والذي تبرز أهميته لفهم الأحداث وتحليل أسبابها وكيفية التعامل معها في إطار رؤية مستقبلية…
فمؤسسات التحليل السياسي والدراسات السياسية ذات أهمية كبيرة لدى صانعي القرار في الدول الغربية … فأصبح لكل منظومة صناعة قرار مراكز دراسات ويتم دعمها والاستفادة من مخرجاتها في دراسة القضايا بصورة محايدة بعيدة عن العاطفة والانحياز ، وتوصيل النتيجة إلى صناع القرار دون تهوين أو تهويل
وهناك سوق للتحليل السياسي في الغرب فعلى سبيل المثال فان كيسنجر وزير خارجية أمريكا السابق يتقاضى 150 ألف دولار في الساعة الواحدة ،
يقول الأستاذ عبد المجيد مناصرة رئيس حركة حمس بالجزائر أن القرار السياسي تتعدى آثاره إلى عموم الناس وتتجاوز الحدود الزمانية لتؤثر في المستقبل، فكم من قرارات أنهت حركات وأسقطت دولا وأزاحت أمما، وكم من قرارات بنت دولا وصنعت حضارات ورفعت من شأن أمم وأسعدت أقواما ويقول إن القرار السياسي إسلاميا هو اجتهاد جماعي أي اجتهاد مؤسسة حيث يحتاج أصحاب القرار السياسي إلى هيئات تسندهم بالدراسات وتختصر لهم الوقت وتوفر لهم بدائل مفصلة ومعللة بما يعينهم على اتخاذ قرار رشيد.
وما أحوجنا اليوم إلى هذه المراكز التي تعمل على تكوين الرؤية السياسية التي ينبني عليها مجموعة من الآليات قابلة للتطبيق … بعيدا عن التأثر بالبرامج الفضائية والفبركات المفتعلة لتضخيم المخاطر أو الزج بالسلوك السياسي الحركي للجماعة للوقوع في أخطاء متتالية تعمل على إفشالها ،
وفي ظل غياب هذه المؤسسات ومع تواجد هذا العدد الضخم من القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة بات العاملون على صناعة القرار أسرى هؤلاء الإعلاميين الذين يتناوبونهم ليل نهار والذين يثيرون قضايا قبل أن تنضج في مؤسساتهم بل وتسبق المؤسسات صناع القرار بالهجوم حتى ينالوا منها بل ويؤثروا في منفذيها ،
لقد شاهدنا تلك الثورة الفضائية العارمة على انسحاب الإخوان من الانتخابات المزورة وكذلك عندما جلسوا في منصة الحوار أثناء الثورة وأصبحوا دون غيرهم ممن شارك هم المتهم الوحيد للتأمر على الثورة رغم أهمية أن تنال الحركة شرعيتها الدولية لحظة جلوسها في منصة الحوار، لذا أصبح من الأهمية بمكان الاهتمام ببناء المؤسسات الفاعلة المحصنة ضد هذه الأساليب التي تؤثر في صناعة القرار.
عندما يأتي الحديث عن المراكز البحثية لدى الكيان الصهيوني , قد يصاب البعض بالإحباط وذلك نتيجة للفجوة الكبرى والمسافة الشاسعة بين المستويين العربي والإسرائيلي حيث تنفق على البحث العلمي ضعف ما ينفق في العالم العربي، حيث بلغ مجموع ما أنفق في إسرائيل على البحث العلمي غير العسكري ما يعادل حوالي 9 مليار دولار حسب معطيات 2008 ولقد نشر مركز الزيتونة يبين أن إسرائيل تنفق على البحث العلمي ضعف ما ينفق في العالم العربي اجمع، حيث بلغ مجموع ما أنفق في إسرائيل على البحث العلمي غير العسكري ما يعادل حوالي 9 مليار دولار حسب معطيات 2008 ، ومن المعروف أن رئيس الوزراء في إسرائيل يتلقى مرتين شهريا خلاصة ما تعده المراكز البحثية في كل من الشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية، كما أن أركان مكتبه يطلعونه على نتائج الأبحاث ذات العلاقة بالقضايا التي تبحثها الحكومة. وقد أقر بيريز عندما كان رئيسا للوزراء في العام 1984 بدور مراكز الأبحاث في مساعدة الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ قراراتها تجاه العالم العربي
وما يؤسف له انه لا يوجد من يقدر أهمية البحث في التحليل السياسي في العالم العربي أصلا فعلى الرغم من قدرات الدولة المصرية على صناعة المراكز البحثية إلا انه لا يوجد غير مركزين في مصر يمكنهم أن يقدموا دراسات معتبرة لصناع القرار هما مركز تابع لرئاسة الوزراء ومركز الأهرام للدراسات السياسية بينما يوجد في إسرائيل ما يزيد على المائة والأربعين مركزا ومعهدا علميا متخصصا في مجالات البحوث الإنسانية . ومنهم أكثر من خمسة عشر مركز أبحاث متخصصة في شؤون العالم العربي.
إن من أولى استحقاقات المرحلة الحالية هو أن يتم إنشاء البنية التحتية للعمل السياسي وان يتم الاتى :
•ان نقوم ببناء مؤسسات قوية وفاعلة في البحث والتحليل وعلى رأسها التحليل السياسي حتى تكون خطواتنا مدروسة وعلى بصيرة مستفيدة من دروس من سبقوها ومستشرفة أفاق المستقبل نحو التطور والإبداع.
•العمل على تكوين الكوادر التحليلية السياسية الناضجة والإسراع بتوفير العقول المثقفة والمدربة على استخلاص ووضع التحليلات المناسبة والدراسات, وخصوصا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة .
•توفير حرية العمل البحثي لهم وتمكينهم ديمقراطيا من إبداء آراءهم وتحليلاتهم دون ضغوطات داخلية أو خارجية عليهم , ومد يد العون لهم بكل ما من شأنه رفع كفاءتهم وقدراتهم العقلية والنفسية والأكاديمية من دورات و تطوير.
•مد يد العون من الباحثين والمحترفين لكل الشباب القادر على التحليل السياسي أو الاقتصادي أو في أي جانب من جوانب الحياة , ومساعدتهم على التطوير والتحسين من الأداء وتوفير الفرص الممكنة والأجواء المناسبة لهم للإبداع .
•أن نعمل معا على توفير الأماكن والمراكز المتخصصة لذلك من خلال مواقع صنع القرار السياسي أكان ذلك بتوفير المراكز المناسبة لذلك كمراكز الدراسات المعنية أو لدى مراكز القرار , أو في أي موقع من المواقع الإعلامية.
•تكوين فريق محترف فى فن التحليل السياسي ( المرئي) للتواصل مع الفضائيات بعيدا عن الإسفاف ممن يسموا بزبائن الفضائيات الذين يحللون باسلوب زبائني خاص او محدد مسبقا من قبل القائمين على القناة يثير الشفقة ويتعب المتلقي.