الجمعة، أغسطس 19، 2011

الصوفية بين الاختراق الإيراني والدعم الأمريكي
بقلم :على بكساوى
تحمل الطبيعة المصرية جينات التدين منذ قدماء المصريين حتى الآن وصبغت تأثيرها على الجانب السياسي فى الماضى والحاضر، واختار الرئيس السادات لنفسه لقب “الرئيس المؤمن” وكانت جريدة أخبار اليوم قد نشرت بالصورة يوميات الرئيس السادات وهو يصلى في بيته أو بيده مسبحة ويقوم التلفزيون بنقل صلاة الجمعة والعيد بحضور الرؤساء السابقين وبصحبتهم شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية بالإضافة إلى الاحتفال السنوي بالمولد النبوي ، فالكل قد تعلم الدروس من تاريخ حكام مصر وعلاقتهم بعلماء الأزهر والذين لهم الدور البارز في تثبيت أركان النظام الحاكم منذ إن قام الشعب المصري بقيادة علماؤه بثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين وقاموا بتنصيب محمد على عام 1805م ، وأصبحت كل الأنظمة الحاكمة تضع عينها على القيادات الشعبية الإسلامية وتعمل على انتقاء فصيل منه يسانده ولو بصورة مؤقتة حتى يصل إلى الكرسي ليقوم بالدور الهام له بعد ذلك وهو القضاء على من ساهم في توليه السلطة ، وجميعنا يذكر محمد على باشا عندما ذبح خصومه المماليك ونفى العالم الأزهري الشيخ عمر مكرم الذي يسمى المسجد في ميدان التحرير باسمه ، وكما شرد محمد على علماء الأزهر الباقين ممن لم يدينوا له بالولاء ، كما أصدر محمد على باشا قرار يقضي بتعين مشرف على جميع الطرق الصوفية والزوايا والمساجد التي بها أضرحة يكون له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطي فيها ، وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته على يد اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني وقت احتلال مصر في القرن الماضي وعمل على استخدامهم، ودأب على وصفهم في تقاريره السنوية بالمسلمين «العقلاء» وأنشأ لهم المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر وأصبحت الطرق الصوفية هي الممثلين للمسلمين في الدولة.

قام جمال عبد الناصر وعلى طريقة محمد على بقتل وسجن وتعذيب الإخوان المسلمين الذين وأوصلوه إلى الحكم واستطاع خلال سنتين من ثورة يوليو في 1952 أن يقصى الإخوان المسلمين ووقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبد الناصر في صراعه ضد الإخوان المسلمين، وفي ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبد الناصر في أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967م ، كما عمل نظام حسنى مبارك على الاستفادة من الصوفية في مصر وبايعته كل الطرق الصوفية وتجدد البيعة مدى الحياة كما أعلن احدهم عن بيعته لمبارك حتى عام 2100م ، وحافظ النظام على وجود الطرق الصوفية وتم إصدار قانون لتنظيم الطرق الصوفية في 1976م ينص على اختصاص المجلس الأعلى للطرق الصوفية بإصدار تصاريح إقامة الموالد ومجالس الذكر وسير المواكب والاحتفالات في المواسم والأعياد الدينية ، وتقيم المشيخة الصوفية هذا الاحتفال الذي تحضره مواكب الشرطة، ويحضره مندوب رسمي عن رئيس البلاد لحضورها وأصبح من واجب المحافظين دعم هذه الموالد.، ذلك على الرغم إنكار بعض علماء الأزهر وعلى رأسهم الشيخ حسنين مخلوف، والشيخ المراغي، بالإضافة إلى: الشيخ حسن البنا الذي حاول أن يُحَمِّل الأزهر ووزير الأوقاف المسؤولية ؛ إذ كان يرى أن التصوف بهذا الشكل قد أضر بالدين على تلك الصورة الدخيلة .
كما يعمل الآن عدد من المرشحين للرئاسة للحصول على دعم الطرق الصوفية منهم أيمن نور، مؤسس حزب الغد، وحمدين الصباحي، وأخيرا محمد البرادعى والذي أعلنت مجموعة من الطرق الصوفية عن تنظيم مليونية ترد فيها على المليونية الكبيرة التي تزعمها الإخوان والسلفيين في جمعة 9 يوليو الماضي بعد زيارته إلي الطريقة الرفاعية .
إيران والصوفية
تختلف إيران عن الدول الأخرى في العالم من حيث أن قائد الدولة وقائد الثورة الإيرانية هو إمام المذهب الاثنا عشري الذي تدين به الدولة ، لذلك فالدولة خادمة للمذهب وهي حصنه وقلعته وقوته الضاربة على عكس النظم في دول السنة وتعمل إيران أيضا على اختراق مصر ويستخدم الصوفية كقنطرة للتشيع من منطلق حب أل البيت ، وقد اخترقوا مصر فعلا في السنوات الأخيرة كما أكد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والذي حذر في تصريحات له من اختراق الشيعة لمصر، منبهاً إلي أنهم يحاولون نشر مذهبهم في مصر لأنها تحب آل البيت وبها مقام الحسين والسيدة زينب ، وقد صرح شيخ الأزهر الصوفي أحمد الطيب فور توليه منصبه في عهد النظام البائد بأنه سيعمل على تدريس المذهب الشيعي الجعفري الاثنا عشري ، والذي عارضته الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في سؤال برلماني تقدم به الأستاذ على لبن ، وكان من مطالب الشيعة في مصر تدريس المذهب الشيعي في الأزهر أسوة بالمذاهب السنية ، ورغم أنه يعلن رفضه على نشر المذهب الشيعي في مصر إلا أن ذلك لم يتبعه أي عمل سوى هذه التصريحات ، وتعمل إيران على الاستفادة من الثورة منذ أول يوم في أطار ما يسمى بنظرية تصدير الثورة كما يعتبر عدد من الباحثين الدكتور سليم العوا مرشح إيران في مصر من منطلق أنه حاصل على وسام الخميني من الدرجة الأولى وهو محامي خلية حزب الله في مصر ، واستنادا إلي تصريحه أنه مع قيام أحزاب شيعية في مصر السنية ، وقد حاول التخفيف من الفتوى التي صرح بها العلامة القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عندما هاجم التغلغل الشيعي واختلف معه إلا أن الدكتور يوسف القرضاوي وزع بيانا قال فيه “ما قلته عن محاولات الغزو الشيعي للمجتمعات السنية، أنا مصرٌّ عليه، ولا بد من التصدي له، وإلا خنَّا الأمانة، وفرطنا في حق الأمة علينا. وتحذيري من هذا الغزو، هو تبصير للأمة بالمخاطر التي تتهدَّدها نتيجة لهذا التهوُّر» وبعدها تم إقالة الدكتور سليم العوا من منصب أمانة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كما انتقد عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر محمد علاء ‌الدين أبو العزائم تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي حول الشيعة، زاعمًا أن هجوم القرضاوي على الشيعة سيسبب الفرقة الطائفية بين المسلمين ؟.
الصوفية والدعم الأمريكي
في الوقت الذي كان يبرم فيه الشيخ عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية اتفاقًا مع الحكومة- ممثلة في مؤسسة “الأهرام”- لمواجهة المد السلفي والفكر الإخواني، عقد سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة- ممثلا عن الإدارة الأمريكية- اجتماعًا مع مجموعة من مشايخ الصوفية، في لقاء استمر لمدة ساعتين، تناول بشكل خاص نشر الصوفية بين المسلمين بالولايات المتحدة ، واتفق 16 من مشايخ الطرق الصوفية، على رأسهم الشيخ علاء أبو العزائم، خلال الاجتماع الذي عقد بمقر الطريقة العزمية بمنطقة السيدة زينب- بحضور ممثل لجهاز مباحث أمن الدولة- مع ممثل السفارة الأمريكية على أن تستضيف الإدارة الأمريكية مشايخ الصوفية على نفقتها الخاصة، لتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة، والقيام بزيارات إلى الولايات المتحدة لنشر الصوفية بين المسلمين الأمريكيين.
وتم الاتفاق على اختيار أبو العزائم كمنسق بين مشايخ الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية، وقال الشيخ محمد عبد المجيد الشرنوبي إن ممثل الإدارة الأمريكية طالب باستمرار اللقاءات والتنسيق بين الجانبين، معتبرًا أن نموذج الإسلام الصوفي يمثل الإسلام المقبول والمرحب به في الولايات المتحدة لكونه إسلاما وسطيا ومعتدلا ، وتحظى الصوفية باهتمام كبير من الدوائر الرسمية داخل الإدارة الأمريكية، في إطار خطة تهدف من خلالها واشنطن إلى محاصرة ما يسمى بـ “الإسلام السياسي”. ويذكر أن السفير الأمريكي السابق فرانسيس ريتشاردوني يعد من أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين حرصًا على حضور الاحتفالات الخاصة بالصوفيين، وكان دائم حضور الموالد الكبرى مثل مولد السيدة زينب والسيد البدوي، وكان معتادًا أن يجالس المشايخ في حلقات الذكر التي يعقدونها.
وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية تأكيدا لما توصلت اليه مؤسسة راند البحثية الأمريكية RAND Corporation أحد أهم المؤسسات الفكرية الأمريكية ، ومؤسسة راند تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية وتبلغ ميزانيتها السنوية 150 مليون دولار، أصدرت هذه المؤسسة في ربيـع الأول 1428هـ مـارس 2007م تقريرا بعنوان: بناء شبكات مسلمة معتدلة، (وحددت مواصفاتها للاعتدال ومنها: مساواة المرأة بالرجل في الميراث ورفض تطبيق الشريعة) وهذا التقرير تم إعداده على مدى ثلاث سنوات من البحث ويخلص إلى أن احتواء المد الإسلامي لابد أن يكون بواسطة إدارة صراع فكري ضد التيار الإسلامي يقوم به فريق من داخل المجتمع المسلم يتمثل في العلمانيين والحداثيين والتيار التقليدي المعتدل‏ الذي يصلي في الأضرحة ويميل إلى التصوف.
نعلم جميعا أن القوى العالمية مستمرة في أدارة صراع منظم ضد الحركات الإسلامية خاصة الكبيرة منها والقوية الجذور في مصر تستعمل فيه أدوات داخلية مختلفة كان آخرها الحشد إلى مليونية يقودها الصوفية ، والتي جاءت بعد زيارة قام بها الدكتور البرادعي لأحد هذه الطرق الصوفية ورغم أن الصوفيين قاموا باستخدام أهم سلاح لهم لحشد فقراء المصريين وهو الدعوة إلى طعام الإفطار في ميدان التحرير إلا أن هذه المليونية باءت بالفشل ، لكن رغم الفشل الصوفي في هذا الحشد السياسي فإنني ادعوا الحركات الإسلامية للاستفادة من هذه التجربة وإعلان المواجهة الصوفية المبكرة والمصنوعة من جهات مختلفة وأن تعمل على دراستها والتعامل معها وكيف يستعملها الآخرين في صراعهم معها باعتبارها إحدى أدوات عرقلة الحركة الإسلامية طوال التاريخ وأحد المجموعات المخترقة أكثر من غيرها ، وهذه بداية في طريق طويل لاحتواء الآخرين الرافضين للمشروع الإسلامي.
--------------
رابط المقال