الاثنين، أغسطس 13، 2012

مستقبل السياسة الخارجية المصرية تجاه إيران

علي بكساوي

علي الرغم من التفاؤل الإيراني بصعود الإخوان إلى السلطة في مصر فالعلاقة بين مصر وايران لن تكون فيها جديد ، وقد لوحظ أنه فور نجاح الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة برزت إشاعة محادثة بينه وبين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد روجتها وكالة أنباء إيرانية في حالة من التطلع العجيب لتحسين العلاقة بينها وبين مصر ، وفي حديث له مع وفد مصري قام بزيارة إيران، قال الرئيس الإيراني إنه لا يرى أي سبب يحول دون زيارته إلى مصر بعد رحيل الذين لا يريدونه هناك، حيث يقول أحمدي نجاد في طهران إنه “كان في القاهرة مسؤلون يرفضون حضورنا لمصر؛ والآن رحلوا.. ولكن ننتظر أن توجه لنا دعوة رسمية، ووقتها سأزور مصر على الفور”. ،،إلا أن العلاقات الإيرانية المصرية لن تسير وفق هوي النظام الإيراني في جميع الأحول ، ولن تجد تتطلعات إيران لزيارة الرئيس محمد مرسي طهران لحضور اجتماع دول عدم الانحياز صدي لدي الإدارة المصرية الجديدة و من المرجح عدم توجه الرئيس المصري إلي هذا الاجتماع.

ويبدوا لنا أن خيارات الرئاسة المصرية جاءت واضحة المعالم من خلال الزيارة الأولي للرئيس محمد مرسي خارج مصر والتي بدأها بالمملكة السعودية بالإضافة إلي الحديث عن أمن الخليج بأنه خط أحمر ، ومن المعروف أن التهديد الوحيد لدول الخليج العربي هو تهديد إيراني سواء من حيث العبث الطائفي في دول الخليج أم من حيث التسلح المستمر لإيران بما في ذلك السعي نحو الحصول علي السلاح النووي والموجه إلي جاراتها الخليجية، وقد أوضح الرئيس محمد مرسي خلال كلمته أمام الجالية المصرية في جدة “أنه إذا كانت السعودية هي راعية لمذهب أهل السنة والجماعة فمصر بإذن الله ستكون حامية لمذهب أهل السنة والجماعة ” وهذا مؤشر يبين المسار الذي اتخذته السياسة المصرية تجاه إيران والدور الإيراني في الدول العربية.
فالمنهج الذي تقوم به إيران لتمددها داخل الدول العربية المجاورة يقوم علي تشييع اكبر قدر من السنة ثم عسكرة وتسليح أبناء المذهب الشيعي كما حدث في كل من العراق ولبنان واليمن وسوريا وإذا سمحت الظروف السياسية يتم التحرك من خلال حزب سياسي للحصول على مكاسب سياسية للمذهب ، وليس هذا المنهج وليد اللحظة الراهنة لكن يتم استثمار أعوام طويلة من جهود في العمل السري والعلني سياسياً ودينياً ولوجستياً منذ بدء مشروع تصدير الثورة إلى الإقليم والعالم في عام 1979م ويمكن أن نحصر أهداف المشروع الإيراني في النقاط التالية :-.
• اختراق القاعدة الشعبية سياسياً واجتماعياً ومالياً في دول الخليج والوطن العربي معتمداً على الطائفة الشيعية العربية.
• العمل على إيجاد محتوى سياسي وعسكري شيعي قادر على تطوير هلال شيعي في المنطقة العربية ويمتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان محيطاً بالمحتوى السني.
• إقامة نفوذ سياسي ومالي للمنظمات والمرجعيات الشيعية المرتبطة بالمشروع الإيراني في دول الخليج.
• تنمية القدرات الطائفية وعسكرة الطائفة الشيعية .
• إيجاد تحالف مقاومة عسكري (شيعي – سني – قومي) ضد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل واستخدامها كورقة ضغط سياسية لتحقيق مكاسب للمشروع الإيراني.
موقف الرئيس المصري
يخطئ من يظن أن موقف الرئيس مرسي القادم من جماعة الاخوان المسمين سيكون بعيدا عن مصالح الدولة المصرية التي يقودها ، كما يخطئ من يتصور أن مصير العلاقة بين مصر وإيران يمكن تحديده من خلال تتبع تاريخ الاخوان المسلمين في دعمها للثورة الإيرانية ، فقد كانت حركة الإخوان المسلمين منسجمة مع مبادئها في الدعوة لوحدة المسلمين والالتقاء لمدافعة الاستعمار وتوحيد كلمة المسلمين فقد أسس الإمام البنا ـ رحمه الله ـ في منتصف الأربعينيات تواصلاً بهذا الشأن مع السيد محمد القمي كما أن السيد نواب صفوي من جمعية أنصار الإسلام (1924 – 1955) زار مركز الإخوان المسلمين في مصر ودعي إلى مقاومة الغرب ووحدة المسلمين ومحاربة الطائفية وتنحية الصراع الشيعي ـ السني، وإنشاء جبهة إسلامية ضد الاستعمار وقد قام بعد عودته من مصر متأثراً بما وجده في جولته وزيارته للإخوان فى مصر قام بحملة شعبية لنصرة فلسطين.
كما قدمت جماعة الاخوان المسلمين دعمها للثورة الإسلامية في إيران في بدايتها فقد أيد الإخوان المسلمون إيران الثورة ورحبوا بها بقيادة الخميني ودعموا سياساتها اعتقاداً منهم بأنها دولة إسلامية سوف تساهم في رفع الظلم ونصرة المسلمين في البلاد الأخرى، ولكن صدم الإخوان من النهج الطائفي لإيران الثورة في الدستور والتعامل مع القوى السياسية والدينية وخصوصاً أهل السنة والجماعة في إيران خصوصاً بعد تعرض رموزهم إلى القتل والسجن والنفي، كما صدموا من العلاقة الإستراتيجية مع سوريا على حساب الإخوان والتعاون الإستراتيجي مع إسرائيل على حساب التوازن العربي ، وبدا للإخوان أن الدولة الإيرانية هي دولة قومية تستعمل المذهب الشيعي في الوصول إلي غايتها.
والآن فان موقف الاخوان المسلمين بات أكثر واقعية وستحكمه مصلحة الأمة التي تتسق مع مبادئها فمصلحة الأمة قد تكون في وقت من الأوقات في حاجة لمساندة أي فصيل إسلامي ضد الهيمنة الغربية علي حكوماتها ، وهذا ما دعي الاخوان المسلمين الوقوف مع الثورة الإسلامية في بدايتها ولكن منذ ذلك التاريخ حتى الآن لم يري الاخوان المسلمين من إيران الثورة غير التوسع المذهبي ومحاولات الاختراق والسيطرة علي مناطق جديدة في العالم الإسلامي ولا يبدو ذلك متسق مع مصلحة المسلمين إذ ظهرت التوجهات الإيرانية الشيعية مدمرة لأهل السنة في الأرض التي تقع تحت يديهم ، وحتى أهل السنة والجماعة وعلي رأسهم الاخوان المسلمون في إيران بالطبع يتعرضون وتتعرض رموزهم إلى القتل والسجن والنفي ومازال ، كما فشل بوضوح مشروع التقريب المذهبي الذي تبناه الاخوان المسلمين خلال العقود الماضية .
ومن المؤكد أن الثورات في بلاد الربيع العربي التي قامت علي أكتاف أهل السنة أصبحت تهدد إيران القومية الفارسية خاصة أنها قامت بقيادة مشروع سني إسلامي يتبناه الاخوان المسلمين حيث يشكل أهل السنة 88% من جسم العالم الإسلامي ، وأما إيران ومشروعها القومي الاستعماري في بلاد أهل السنة تحديدا ، وأصبح مشروعها يتطلب لا يتسق مع طبيعة الثورات في الربيع العربي فعلي الأرجح أن تؤدي هذه الثورات المفاجئة لها الي انزواء وانحسار المشروع الإيراني ، لذا برز الدعم الغير محدود لسوريا من الجانب الإيراني .
خيارات الموقف المصري في المرحلة المقبلة
يجب أن يعمل الرئيس محمد مرسي في هذا الامر علي تلبية رغبات الشعب المصري بعد الثورة خاصة أنه جاء بدعم شعبي من جماعة الاخوان المسلمين والتيار السلفي وأن يضع في عين الاعتبار تطلعات شعوب المنطقة المتطلعة لوقف التمدد الإيراني داخل أراضيها وتلبية مطالب الشعب المصري بأن تستعيد مصر دورها الرائد في المنطقة وأن تعمل مصر علي تحقيق المصالح التالية :
• إقامة حوار استراتيجي مع إيران وفتح الملفات المختلف عليها والتي تهدد تعايش المكونات الاجتماعية في المنطقة العربية بسبب تدخلات إيران لمصالحها ونفوذها ، وان يكون ذلك بمشاركة دول سنية.
• تبني وقيادة محور سني في مقابل المحور الشيعي يتكون من ( تركيا – السعودية – مصر- باكستان ) يعمل علي دعم أهل السنة في المنطقة ضد التمدد العسكري والمذهبي الإيراني .
• دعم جهود دول الخليج في معالجة الحالة الإيرانية ومساندتها ضد التدخل الإيراني في أراضيها وضد التحركات المشبوهة للجماعات الشيعية المنظمة داخل أراضيها والتهديدات العسكرية الخارجية.
• دعم دور الأزهر في التصدي للمذهب الشيعي وتمدده في العالم الإسلامي.
• دعم حركة حماس حتى تنتهي علاقاتها مع إيران.
• تحجيم التمدد الشيعي في مصر والذي يستغل الفراغ الأمني .
• العمل مع دول الجوار علي عدم الدخول في صدام مباشر مع إيران واستيعاب إيران ضمن المؤتمر الإسلامي .
• دعم الثورة السورية لنزع سوريا من المحور الإيراني (أمنيا وسياسياً) وإضعاف موقف إيران العام.
• رفض المشروع النووي الإيراني وتسهيل فرصة إيران لتحويله إلى مشروع سلمي بإشراف دولي وعربي.
• المطالبة الإعلامية بدعم الجهود لإعطاء المذهب السني والأقليات في إيران حقوقها الاجتماعية والسياسية والوطنية.
• كشف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران أو ما تقوم به الأطراف التي تتبع السياسة الإيرانية.
• المساهمة مع الجانب الإيراني في إضعاف النفوذ الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة.
الخلاصة
يجب ألا تتوقف مصر عن المضي في دورها الرائد لجمع الكلمة العربية والإسلامية والعمل علي وقف المد الإيراني في لحظة الاحتضار التي يعيشها في ظل انتهاء دوره في سوريا والذي سيتبعه بلا شكك تراجع نفوذه في العراق وانضمام العراق إلي حد كبير ،وإبطال الأسباب التي دعمت التحرك الحوثي شمال اليمن وتحجيم التطلعات الإيرانية في دول الخليج لان أمن مصر يبدأ من سواحل الخليج العربي حتى المغرب العربي علي سواحل المحيط الأطلنطي وجنوبا حتى وسط أفريقيا ومنابع النيل .

Bexawi1@gmail.com