الجمعة، فبراير 08، 2008

صراع المشاريع .. المشروع السني ؟


صراع المشاريع .. المشروع السني ؟
الكاتب: د. علي الصلابي
إن الصراعات والمعارك التي خاضتها البشرية منذ القدم وحتى يومنا هذا إنما هي صراع مشاريع وأفكار، ولم يكن المشروع الإسلامي في حال من الأحوال بدعة منها فمنذ تكليف النبي محمد صلى الله عليكم وسلم بالرسالة وهناك صراع واضح وعلني ما بين مشروع يقوده النبي ومشروع آخر قائم هو ما كان يقوده الملأ من مشركي قريش. بعد فتح مكة ودخول جزيرة العرب في الإسلام بات الصراع والتصادم مع المشروعين الفارسي والروماني في بداية ظهوره وحقق المشروع الإسلامي انتصارات عليهما وتوسع على حسابهما. ثم وبعد فترة من الزمن وخلال الحروب الصليبية ، تصادم المشروع السني مع مشروعين كبيرين حتى انتهت بانتصار المشروع السني.

أولا المشروع الشيعي الإسماعيلي

تزعمت هذا المشروع الدولة العبيدية الفاطمية التي هيمنت على الشمال الإفريقي ومصر وبلاد الشام ، واستطاعت إن تخترق العراق بأفكارها وتعاليمها وعقائدها ، وتصدى لهذا المشروع الدولة السلجوقية الوليدة صاحبة المشروع السني حينها وكان من ابرز قادة هذا المشروع والمنظرين له الوزير السلجوقي نظام الملك ، الذي أدار الصراع مع المشروع الفاطمي الإسماعيلية برؤية إستراتيجية بعيدة المدى من خلال إنشاء المدارس النظامية التي أصبحت مركزا حضاريا وثقافيا استطاعت حينها أن تكون رأس الحربة لمقاومة المشروع الشيعي بتزويدها الجهاز الحكومي السلجوقي بإعداد مؤهلة من القضاة والعلماء ورجال الحسبة ، وانتشر هؤلاء في العالم الإسلامي حاملين الرسالة التي مدتهم بها المدارس النظامية حتى اخترقوا حدود الدولة العبيدية الفاطمية في شمال إفريقيا ومصر ودعموا الوجود السني بها ، وقد ساهمت هذه المدارس في إعادة الدور التاريخي للأمة وتقليص نفوذ الفكر الشيعي الإسماعيلي الفاطمي، كما مهدت هذه المدارس لخروج قادة عسكريين من أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي . وامتد نفوذها إلى العصر المملوكي ولست أبالغ حين أقول أن نفوذها امتد إلى يومنا هذا . واستطاعت المدارس النظامية أن تبلور مشروعا سنيا للدولة السلجوقية أمد قوتها العسكرية والسياسية بحاجتها من العقائد لتواجه بها المشاريع الأخرى المهيمنة على المنطقة في ذلك الوقت .
وبمشروع المدارس النظامية استطاعت الدولة السلجوقية أن تتغلب على المشروع الشيعي في العراق وبلاد الشام ، وان تعلن عن نفسها على أنها المدافعة عن المشروع السني .

ثانيا: المشروع الصليبي

في نفس فترة الصراع مع مشروع الدولة الفاطمية كانت شعوب غرب أوروبا تتجهز لغزو بلاد الشرق واحتلال بيت المقدس بقيادة البابا اوربان الثاني الذي نصب نفسه زعيما دينيا للشعوب الأوروبية ، فقد قدم مشروعه الخاص معلنا أسباب الغزو وألقى خطابا في حشد كبير من مؤيديه الذين كان بينهم زعماء وأمراء وإقطاعيين واستطاع استغلال كل طاقات أوروبا وتجهيزها للمعركة القادمة .

غدت المنطقة العربية الإسلامية مسرحا لصراعات المشاريع الثلاثة المتنافسة التي تقاتلت فيما بينها لمدة مائتي سنة وخرج المشروع السني منتصرا من هذه المعارك الشرسة الطويلة، وبرزت أسماء لامعة حملت لواء المشروع السني إلى أقصى حدوده من أمثال الوزير نظام الملك وأبي حامد الغزالي والجويني وعماد الدين زنكي الذي سار باتجاه تعميق الهوية العقائدية السنية ، والإحياء الإسلامي الصحيح في نفوس الأمة والتصدي لشبهات المذهب الشيعي وإعداد الأمة لمقاومة المشروعين الصليبي والمغولي .

والجدير بالذكر بان الأمة لم يتأت لها تحرير بيت المقدس والقضاء على المشروع الصليبي إلا بعد القضاء على المشروع الفاطمي سياسيا وعسكريا .

أما إذا نظرنا اليوم إلى ما يحدث في العراق ولبنان من صراع بين المشروعين الاميركي الصهيوني والشيعي الإيراني مع غياب المشروع السني يشكل مخاطر حقيقية على الأمة بمجملها وعلى أجيالها القادمة ، فالمشروع الأول تحركه عقيدة وتدفعه أطماع اقتصادية وسياسية ، ويستهدف تغيير عقائد الأمة وإفساد أخلاقها وتفجير شهواتها والقضاء على شريعتها ، أما المشروع الإيراني الشيعي فهو عقائدي وسياسي وثقافي واقتصادي أيضا ، كما أنه مشروع استئصالي إقصائي لا يتورع عن سفك الدماء واغتصاب الأملاك وتهجير الآمنين كما يحدث حاليا في العراق.

إن الدعم الإيراني للكتل الشيعية العراقية المنضوية تحت عباءة المشروع الإيراني على حساب أهل السنة في العراق خير دليل على هوية المشروع الإيراني القادم ، وأخشى ما أخشاه أن يتفق المشروع الإيراني مع المشروع الأمريكي الصهيوني على حساب المشروع السني في المنطقة حينها ستكون الأمة ومقومتها ووجودها في خطر كبير .

لقد قدم الرئيس الإيراني احمدي نجاد مبادرته للحكومة الأمريكية مؤخرا لإخراجها من المستنقع العراقي على أساس التعاون فيما بين المشروعين على حساب المشروع السني ، ولو تحقق هذا فان أسوأ توقعاتنا ستتحقق معه وستخوض الأمة صراعا عسكريا قد يمتد لعشرات السنين القادمة.

ومما تجدر الإشارة إليه بأن إيران ومنذ قيام المشروع الشيعي الصفوي فيها وهي بعيدة عن المشاركة في مشروع الأمة التي كانت تقوده الدولة العثمانية في حينه بل وقف المشروع الشيعي الصفوي في وجه المشروع العثماني وتصارع المشروعان حقبة من الزمن.

إن مقاومة هذه المشاريع يحتاج إلى مشروع نهضوي قائم على أصول الإسلام الصحيح ، مستمدا فكره من حركة التاريخ ، قادرا على استيعاب طاقات الأمة والاستفادة منها وتوجيهها نحو التكامل لتحقيق الغايات المنشودة .

إن مشروعا كهذا لا تحققه دولة واحدة ولكن يتحقق بوجود رؤية مشتركة تتخذها الأمة مرتكزا لها في صراعها لا تحيد عنه ، فالمشاريع الحضارية لا تقاوم إلا بمشاريع حضارية كما أن المشاريع العسكرية لا تجابه إلا بالمشاريع العسكرية ، والأمة مقبلة على صفحات من التاريخ يصعب قراءتها ولكنها لا تنبئ بخير قادم






تعريف بالشيخ على الصلابى


علي محمد محمد الصلابي
ولد في مدينة بنغازي بليبيا عام 1383 هـ / 1963 م .
حصل على درجة الإجازة العالمية (الليسانس) من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة المنورة بتقدير ممتاز وكان الأول على دفعته عام 1413/ 1414 هـ الموافق 1992 / 1993م.
نال درجة الماجستير من جامعة أم درمان الإسلامية كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن عام 1417 هـ / 1996 م.
نال درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بمؤلفه فقه التمكين في القرآن الكريم. جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان عام 1999 م.


صدرت له عدة كتب من أهمها :
عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين .
الوسطية في القرآن الكريم .
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث .
الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق شخصيته وعصره .
فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .
تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان .
أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
سيرة أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب .
فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح
الموقع الرسمى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق