الاثنين، أغسطس 13، 2012

إيران ومصر بعد الثورة: بين الحذر الاستراتيجي وتوازن المصالح

علي بكساوي

علي الرغم من التفاؤل الإيراني بصعود الإخوان إلى السلطة في مصر فالعلاقة بين مصر وايران لن تكون فيها جديد ، وقد لوحظ أنه فور نجاح الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة برزت إشاعة محادثة بينه وبين الرئيس

إيران ومصر بعد الثورة: بين الحذر الاستراتيجي وتوازن المصالح

مدخل: تفاؤل إيراني لا يعبّر عن الواقع المصري

على الرغم من حالة التفاؤل الإيراني التي رافقت صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر بعد ثورة 25 يناير، فإنَّ العلاقة بين مصر وإيران لم تكن مرشحة لأي تغير جذري يُرضي طموحات طهران. فور فوز الرئيس محمد مرسي، روجت وكالة أنباء إيرانية إشاعة عن مكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، في محاولة رمزية لتسويق بداية مرحلة جديدة. لكن السياسة المصرية الجديدة لم تندفع وراء هذه المحاولات.

ففي لقاء لأحمدي نجاد مع وفد مصري زار طهران، أبدى الأخير رغبة واضحة في زيارة القاهرة قائلاً: \"كان هناك من يرفض حضورنا، وقد رحلوا الآن.. ننتظر فقط دعوة رسمية\". إلا أن هذه الرغبة لم تلقَ صدى داخل مؤسسات الحكم المصرية بعد الثورة، بل كان من المرجح أن يمتنع الرئيس المصري عن حضور قمة دول عدم الانحياز في طهران، على عكس تطلعات الجانب الإيراني.

زيارة مرسي إلى السعودية: رسالة خارجية واضحة

أولى زيارات الرئيس محمد مرسي الخارجية كانت إلى المملكة العربية السعودية، حيث أكد أن أمن الخليج \"خط أحمر\"، في إشارة مباشرة إلى أن السياسة المصرية الخارجية باتت تتمايز عن أحلام طهران. وفي لقائه بالجالية المصرية في جدة، صرح: \"إذا كانت السعودية راعية لأهل السنة، فمصر ستكون حامية لهم\".

هذا الموقف يبرز وعي الإدارة المصرية الجديدة بحساسية الملف الإيراني في المنطقة، ويدل على تموضع استراتيجي يحفظ توازن القوى، ويمنع تغلغل مشروع مذهبي توسعي يهدد أمن الدول العربية.

المشروع الإيراني في المنطقة: أبعاده وأهدافه

المتابع للتحرك الإيراني منذ عام 1979 يرى أن طهران لم تُخفِ طموحها في تصدير نموذج الثورة الإسلامية إلى الإقليم، وقد اعتمد هذا المشروع على أدوات متنوعة:

  • اختراق القواعد الشعبية عبر الطائفة الشيعية سياسيًا وماليًا.
  • عسكرة المذهب وتشكيل أذرع عسكرية (حزب الله في لبنان، الحشد في العراق، الحوثي في اليمن).
  • إنشاء هلال شيعي يمتد من إيران إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسوريا.
  • بناء تحالفات سياسية باسم \"المقاومة\" تستثمر العداء للغرب لتوسيع النفوذ.
  • استغلال الحريات في بعض الدول العربية لبناء بنى تحتية سياسية موازية للدولة.

الإخوان وإيران: من التأييد إلى القطيعة الواقعية

يخطئ من يربط بين صعود الإخوان وعودة الدفء للعلاقات مع إيران. فصحيح أن جماعة الإخوان في بدايات الثورة الإيرانية قدّمت دعمًا معنويًا باعتبارها ثورة ضد الاستبداد، إلا أن الأحداث لاحقًا بيّنت أن المشروع الإيراني لا يسير في اتجاه توحيد المسلمين، بل يستثمر المذهب كأداة نفوذ سياسي وعسكري.

فقد أصيب الإخوان بخيبة أمل بسبب:

  • التنكيل بأهل السنة داخل إيران.
  • العلاقة الوثيقة بين طهران ونظام الأسد، رغم قمعه للتيارات الإسلامية.
  • سعي إيران لتوظيف علاقتها بالقضية الفلسطينية لأغراض لا تخدم سوى مشروعها القومي.

هذا التحول في إدراك طبيعة إيران الثورة، جعل موقف الإخوان في مصر – برئاسة مرسي – أكثر واقعية، وأكثر وعيًا بالملف الأمني والمذهبي.

فرص مصر في تشكيل توازن إقليمي جديد

مع صعود الثورة المصرية، ووجود حكومة ذات شرعية شعبية، تتسع أمام القاهرة خيارات أكثر توازنًا للتعامل مع إيران:

  • الدخول في حوار استراتيجي عربي-إيراني بشروط تحفظ أمن الخليج والمنطقة.
  • قيادة محور سني يضم تركيا والسعودية وباكستان، لتثبيت التوازن في وجه المشروع الإيراني.
  • دعم الدول الخليجية في حماية استقرارها من التدخل الإيراني المباشر أو غير المباشر.
  • دعم الأزهر كمؤسسة دينية كبرى في التصدي للتغلغل المذهبي.
  • مساندة الثورة السورية سياسيًا لتقليص النفوذ الإيراني في الشام.
  • ضبط التمدد الشيعي في الداخل المصري في ظل الفراغ الأمني بعد الثورة.

خاتمة: أمن مصر يبدأ من الخليج إلى الأطلسي

على مصر أن تعود لمكانتها كقائد للعالم العربي والإسلامي، وأن تُسهم في تحجيم التمدد الإيراني الذي يعيش لحظة انكماش بعد انكشاف أدواره في سوريا والعراق واليمن. إن حماية الأمن القومي المصري لا تبدأ من حدودها فقط، بل من الخليج إلى المحيط، ومن منابع النيل إلى بوابات المغرب العربي.

ولن تنجح مصر في هذه المهمة إلا إذا جمعت بين الحكمة الدبلوماسية، والحزم الاستراتيجي، والقيادة الأخلاقية التي لا تستبدل الطغيان الطائفي بمصالح آنية. لقد تغيّر الزمن، وعلى الجميع أن يفهم: مصر بعد الثورة ليست كما قبلها.

Bexawi1@gmail.com


الجمعة، سبتمبر 02، 2011

الخميس، أغسطس 18، 2011

الصوفية بين اختراق المشروع الإيراني وتوظيف الدعم الأمريكي

الصوفية بين الاختراق الإيراني والدعم الأمريكي

بقلم: علي بكساوي

تحمل الطبيعة المصرية جينات التدين منذ قدماء المصريين حتى الآن، وصبغت تأثيرها على الجانب السياسي في الماضي والحاضر. واختار الرئيس السادات لنفسه لقب “الرئيس المؤمن”، وكانت جريدة أخبار اليوم قد نشرت بالصورة يومياته وهو يصلي في بيته أو يمسك مسبحة، وكان التلفزيون ينقل صلاة الجمعة والعيد بحضور الرؤساء السابقين وبصحبتهم شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية، بالإضافة إلى الاحتفال السنوي بالمولد النبوي. فالجميع تعلم من تاريخ حكام مصر علاقتهم بعلماء الأزهر، الذين كان لهم الدور الأبرز في تثبيت أركان الأنظمة، منذ ثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين، وتنصيب محمد علي حاكمًا عام 1805م.

أدركت الأنظمة الحاكمة أهمية التحالف مع المؤسسة الدينية، وسعت لاختيار فصيل ديني مساند، ثم التخلص منه لاحقًا. محمد علي باشا ذبح المماليك، ونفى الشيخ عمر مكرم، وشرد من تبقى من علماء الأزهر. ثم أنشأ منصب "ناظر الأوقاف"، وأمر بالإشراف الكامل على الطرق الصوفية والمساجد ذات الأضرحة، واضعًا بذلك لبنة تهميش الدور الاستقلالي للأزهر، وهي السياسة التي تطورت لاحقًا مع الاحتلال البريطاني بقيادة اللورد كرومر، الذي وصف المتصوفة بأنهم "المسلمون العقلاء"، وساهم في إنشاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ليكونوا ممثلين رسميين للمسلمين لدى الدولة.

جمال عبد الناصر اتبع نفس النهج. بعد أن دعمه الإخوان في البداية، قام بسجنهم وتعذيبهم وإعدام قادتهم. في المقابل، نالت الطرق الصوفية رضا النظام، وسارت في ديسمبر 1967م في موكب رسمي مؤيد لعبد الناصر بعد نكسة يونيو، بحضور المشيخة العامة، فيما استُبعد التيار الإسلامي المقاوم.

وفي عهد مبارك، تجددت البيعة الصوفية للنظام، ووُصف بعض المشايخ بأنهم يبايعونه حتى عام 2100م. وصدر قانون 118 لسنة 1976 لينظم شئون الطرق الصوفية والمواكب ومجالس الذكر، وتولت الداخلية والمحافظون الإشراف على الاحتفالات. رغم ذلك، عارض علماء كبار، مثل الشيخ حسنين مخلوف والشيخ المراغي، مظاهر التصوف البدعي، وانتقده بشدة حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، معتبرًا أنه أساء لصورة الدين.

وفي أعقاب ثورة يناير 2011، بدأ مرشحو الرئاسة محاولات استقطاب الطرق الصوفية، مثل أيمن نور، وحمدين صباحي، ومحمد البرادعي، الذي زار الطريقة الرفاعية في السيدة زينب، وردت بعض الطرق بتنظيم مليونية صوفية مضادة لمليونية الإسلاميين في جمعة 9 يوليو 2011.

إيران والصوفية

إيران دولة عقائدية يحكمها "ولي الفقيه"، القائد الديني الأعلى للمذهب الشيعي الإثنا عشري. ومنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، اتبعت استراتيجية "تصدير الثورة"، واستغلت حب المصريين لآل البيت ومقاماتهم لاختراق المجتمع المصري. وكان التصوف أحد بوابات هذا الاختراق.

العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حذّر من التغلغل الشيعي في مصر، مشيرًا إلى محاولات نشر الفكر الاثنا عشري تحت غطاء حب آل البيت. في المقابل، صرح الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الصوفي، بعد توليه المنصب في عهد مبارك، بأنه سيدرس المذهب الجعفري في الأزهر، مما أثار استهجان الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وتقدم النائب علي لبن بسؤال رسمي في البرلمان.

وقد دعم الفكرة الدكتور سليم العوا، الذي حصل على "وسام الخميني من الدرجة الأولى"، ودافع عن خلية حزب الله في مصر، وصرح صراحة بجواز إنشاء أحزاب شيعية في مصر. كما عارض فتوى القرضاوي التي حذرت من الغزو الشيعي، ما أدى إلى إقالته من منصبه كأمين عام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

أما الشيخ محمد علاء الدين أبو العزائم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، فقد هاجم القرضاوي بعنف، معتبرًا أن هجومه على الشيعة يثير الفتنة الطائفية، بل وذهب أبعد من ذلك في عقد لقاءات مع مسؤولين إيرانيين.

وتُضاف إلى القائمة شخصيات أخرى كان لها دور في دعم مسار التقريب، مثل الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم الإخوان في أوروبا، والمعروف بزياراته لإيران وعلاقاته بالمرجعيات الشيعية، وكذلك الدكتور إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، الذي رعى مؤتمرات في لندن جمعت ممثلين شيعة وسنة تحت شعار التقريب، فيما اعتبره البعض محاولة لإعادة تشكيل التحالفات على أسس تتجاوز المذهب.

الصوفية والدعم الأمريكي

لقاء مشايخ الصوفية والسفارة الأمريكية في 2011، عقد ممثل السفارة الأمريكية في القاهرة اجتماعًا مع 16 من مشايخ الطرق الصوفية، أبرزهم الشيخ علاء أبو العزائم، في مقر الطريقة العزمية بالسيدة زينب، بحضور ممثل من جهاز أمن الدولة. استهدف اللقاء تعزيز التعاون، ونشر "الإسلام الصوفي المعتدل" في الولايات المتحدة، وتم الاتفاق على تنظيم زيارات ممولة من واشنطن، يكون أبو العزائم منسقًا لها.

وقال الشيخ محمد الشرنوبي، أحد الحاضرين، إن ممثل الإدارة الأمريكية أكد أن التصوف هو النموذج الإسلامي الوحيد المقبول في بلاده، نظرًا لابتعاده عن الصراع السياسي. وقد أبدى السفير الأمريكي آنذاك، فرانسيس ريتشاردوني، اهتمامًا خاصًا بالتصوف، وداوم على حضور الموالد الكبرى كمولد السيدة زينب والسيد البدوي، ومجالسة المشايخ في حلقات الذكر.

السفير الأمريكي ريتشاردوني مع الصوفية كما أوصت مؤسسة "راند" RAND الأمريكية في تقرير بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" عام 2007، أن يتم دعم الحركات الصوفية في العالم الإسلامي كبديل عن الحركات الإسلامية السياسية. التقرير، الذي استمر العمل عليه ثلاث سنوات، أعدته المؤسسة ذات الطابع الأمني والعسكري، ودعا لتقوية التيارات الصوفية كجزء من "إدارة الصراع الفكري ضد الإسلام السياسي".

خاتمة

رغم أن المقال كُتب عام 2011، إلا أن الأسئلة التي يطرحها لا تزال قائمة. هل الدولة تدعم الصوفية كتيار ديني بديل لمواجهة الحركات الإسلامية السياسية؟ وإذا كانت هذه الحركات مطالبة بمواجهة مشروع التصوف السياسي، فهل يمكنها فعلًا ذلك في ظل تواطؤ دولي ومحلي لصالح "الإسلام الناعم"؟

المقال لا يدعو للصدام، بل للفهم. فالحركات الإسلامية مطالبة بقراءة الخارطة كاملة: من يدعم من؟ ولماذا؟ وأين تقف الدولة من الدين؟ وأين تقف إيران والولايات المتحدة من التصوف؟

نُشر أول مرة بتاريخ 18 أغسطس 2011

الثلاثاء، يونيو 07، 2011

نحو بناء مؤسسات للتحليل السياسي

أهمية مراكز صناعة القرار والتحليل السياسي في بناء الدولة

مع كل تحوّل سياسي أو لحظة انتقال في تاريخ الدول، تظهر الحاجة الملحّة لوجود مؤسسات تحليلية رصينة تدعم متخذ القرار بالرؤية والبدائل والمعرفة العميقة. وفي غياب هذه المؤسسات، تصبح القرارات معرضة للارتجال أو الخضوع للضغوط الإعلامية أو اللحظية، مما يهدد فعالية المسار السياسي واستقرار الدولة.

غياب المؤسسات التحليلية: أزمة في التخطيط

في العديد من التجارب السياسية، يبرز سؤال محوري: كيف تُتخذ القرارات الكبرى في ظل غياب مراكز تفكير متخصصة؟ ورغم وجود لجان ومكاتب تنفيذية، إلا أن تشعّب القضايا وتعقيد المتغيرات يجعل من الضروري وجود مراكز بحثية مستقلة ومتفرغة، تقدم رؤية عميقة مبنية على المعرفة والتحليل، لا على الانطباع أو الظرف السياسي الآني.

لماذا تحتاج الدول إلى مراكز تفكير استراتيجية؟

تلعب مراكز الدراسات والتحليل السياسي دورًا محوريًا في الدول الحديثة، فهي تساعد في:

  • تحليل الأوضاع الداخلية والخارجية.
  • رصد الاتجاهات الاجتماعية والسياسية.
  • تقديم سيناريوهات متعددة للمستقبل.
  • توفير بدائل واقعية وعلمية لصنّاع القرار.

في النظم المتقدمة، لا يُتخذ قرار كبير إلا بعد مراجعة ما تنتجه هذه المراكز، التي أصبحت جزءًا من صناعة القرار المؤسسي.

مراكز التفكير في العالم المتقدم: نموذج يُحتذى

في الولايات المتحدة وأوروبا، تُعتبر مراكز التفكير شريكًا في القرار السياسي. فعلى سبيل المثال، يتقاضى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، 150 ألف دولار في الساعة مقابل تقديم استشارات سياسية.

أما في إسرائيل، فيوجد أكثر من 140 مركزًا بحثيًا، منها 15 مركزًا متخصصًا فقط في الشأن العربي. ويتلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي تقارير دورية من مراكز مرتبطة بالأمن القومي والمخابرات، ما يوضح كيف تُمثل المعلومة والتحليل أداة سيادية في الحكم.

الفجوة العربية في التحليل السياسي

رغم أهمية التحليل السياسي، إلا أن العالم العربي لا يزال يُعاني من ندرة مراكز التفكير، سواء من حيث العدد أو التأثير أو التمويل. في مصر، على سبيل المثال، لا يُعتمد سوى على مركزين رئيسيين: مركز الأهرام للدراسات، ومركز تابع لرئاسة الوزراء.

هذا التفاوت الكبير لا يعكس احتياجات الدولة المعاصرة، ولا يواكب حجم التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة.

ما الذي نحتاجه اليوم؟

إن أحد أبرز استحقاقات المرحلة الراهنة هو بناء منظومة تفكير وطنية. ويتطلب ذلك:

  • إنشاء مراكز تحليل سياسي قوية وذات كفاءة.
  • تدريب كوادر شابة قادرة على التفكير الاستراتيجي.
  • توفير بيئة بحثية حرة، دون تدخل أو ضغط.
  • دعم الباحثين والمحللين من مختلف التخصصات.
  • بناء فرق محترفة في التحليل الإعلامي لمخاطبة الرأي العام بوعي ومسؤولية.

الخاتمة

لم يعد التحليل السياسي ترفًا فكريًا، بل أصبح ضرورة وطنية للدول التي تريد البقاء والتقدم في عالم متغيّر. فمن لا يمتلك أدوات التفكير والتحليل، سيتحول تلقائيًا إلى متلقٍّ لقرارات تُصاغ في الخارج. ولهذا، فإن الاستثمار في العقول والمؤسسات البحثية هو الطريق الأجدر نحو مستقبل أكثر وعيًا واستقرارًا.

الثلاثاء، مايو 10، 2011

المصالحة الفلسطينية بين السياسة والتحولات الكبرى

المصالحة الفلسطينية في ظل المتغيرات الإقليمية – قراءة تحليلية

بقلم: علي بكساوي

أثار الإعلان عن توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة بتاريخ 4 مايو، جدلًا سياسيًا واسعًا، سواء على المستوى الفلسطيني أو الدولي. فبينما صدرت تصريحات إسرائيلية على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعلن رفضها لهذا الاتفاق، وتهديدات أمريكية بإعادة النظر في المساعدات المقدّمة للسلطة الفلسطينية، في حال تشكيل حكومة ناتجة عن المصالحة بين "فتح" و"حماس"، فإن طبيعة التفاعلات المحيطة بالاتفاق تدفعنا للتساؤل: هل تمثل هذه المصالحة خطوة حقيقية نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني؟ أم أنها تأتي ضمن سياق إقليمي أوسع يرتبط بثورات الربيع العربي وإعادة تموضع الفاعلين في المنطقة؟

الموقف الإسرائيلي: بين الرفض العلني والحسابات الاستراتيجية

رغم الرفض الإسرائيلي المعلن للمصالحة، فإن بعض التحليلات الإسرائيلية – ومنها ما نُسب إلى تقرير مسرّب لوزارة الخارجية – اعتبرت أن الاتفاق قد يمثل فرصة استراتيجية تصب في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد. إذ إن توحيد الصف الفلسطيني قد يسهل التعامل مع كيان موحّد بدلًا من الانقسام القائم، وقد يتيح تقنين العلاقة الأمنية والسياسية مع السلطة لاحقًا.

تجربة المصالحات السابقة: احتفالية البداية وسرعة الانهيار

التاريخ القريب يشير إلى سلسلة من محاولات المصالحة التي لم تُكتب لها الاستمرارية، أبرزها "اتفاق مكة" عام 2007، الذي انهار سريعًا إثر صدامات دامية، أعادت الانقسام إلى المربع الأول. هذه التجارب تجعل الشارع الفلسطيني ينظر بحذر إلى الاتفاق الجديد، ويتساءل عن جدّيته ومآلاته.

العوامل الإقليمية المؤثرة

  • الثورات العربية: فرضت متغيرات لم تكن محسوبة، وأجبرت الفاعلين الفلسطينيين على إعادة النظر في تحالفاتهم واستراتيجياتهم.
  • غياب الدعم السابق لبعض الأطراف: سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك غيّر موازين العلاقات الإقليمية، خاصة لحركة "فتح".
  • الضغوط على حماس: مع تفاقم الوضع في سوريا، واحتمال تغيّر الموقف من وجودها هناك، تجد "حماس" نفسها مضطرة لإعادة التموقع.

دوافع التوقيع من وجهة نظر كل طرف

  • فتح: ترى في المصالحة وسيلة لتجديد الشرعية الشعبية وتعزيز التمثيل الفلسطيني الموحد.
  • حماس: تسعى لكسر العزلة والانخراط في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والمشاركة في الحياة السياسية الموسعة.

التحديات أمام الاتفاق

  • غياب الثقة التاريخي بين الطرفين.
  • الضغوط الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
  • تعقيدات الملف الأمني، الذي يحتاج إلى ترتيبات دقيقة ومدروسة.

الدعوات الشعبية للعودة في 15 مايو

جاءت المصالحة تزامنًا مع تصاعد دعوات شعبية – خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي – للعودة إلى فلسطين في ذكرى النكبة، ما يعزز أهمية التوحد السياسي في مواجهة هذه المرحلة.

نظرة تحليلية ختامية

هذه المصالحة ليست مجرد اتفاق بين طرفين، بل انعكاس لتحولات إقليمية عميقة. وإذا كانت تخدم مصالح إسرائيل بشكل غير مباشر، فإنها أيضًا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني إن حُسن استثمارها. التحدي الآن هو في التنفيذ، وضمان أن تتجاوز هذه الخطوة إطار الاحتفال الإعلامي إلى واقع عملي يعيد الثقة للمجتمع الفلسطيني.

الخميس، أبريل 21، 2011

العودة إلى الوطن بعد الثورة – لحظة لا تُنسى

العودة إلى الوطن بعد الثورة – لحظة لا تُنسى

دمعت عيناي عندما حطّت طائرة مصر للطيران عجلاتها على أرض مطار القاهرة الدولي، إذ كنت أعود لأول مرة منذ اندلاع ثورة 25 يناير.

كانت لحظة لا تشبه أي لحظة سبقتها، امتزجت فيها مشاعر الحب والخوف والحنين والفرح في وقت واحد. سنوات طويلة قضيتها بعيدًا عن الوطن، كنت أتابع أخبار مصر من الخارج بقلب يشتعل بالأسئلة، لكنني لم أتوقع أن أراها تتحرّر من عبودية الفرد بهذه الصورة السلمية والحضارية التي أدهشت العالم.

وجوه الناس تغيّرت... والعبوس اختفى

حين خرجت من المطار، كان أول ما حرصت عليه أن أبحث في ملامح المارة عن التغيير، فالمجتمعات – كما نعلم – تُعبّر عن تحوّلاتها من خلال وجوه أبنائها. وللحظة، شعرت أن العبوس الذي كان يكسو الوجوه قد زال، وأن روحًا جديدة بدأت تتسلل إلى الشوارع، وأن المصريين – كما عهدناهم في التاريخ – قد عادوا: أحرارًا، صادقين، مشرقين.

ذاكرة مؤلمة: حين كان الصوت لا يُسمع

تذكّرت، وأنا أتنفّس هواء القاهرة، آخر مرة شاركت فيها في انتخابات، وكانت في مجلس الشورى عام 1989. كنت شابًا متحمسًا في الثانية والعشرين من عمري، أؤمن بالحق والصندوق والتمثيل، وكنت مندوبًا لأحد المرشحين.

لكن ما رأيته كان قاسيًا: تزوير سافر، بطاقات مسوّدة مسبقًا، ونتائج محسومة قبل التصويت. طُلب منا أن نغادر اللجان بعد تسليم الصناديق، لأن "النتيجة خلصت". لم نملك وقتها سوى الانسحاب بصمت، والعودة إلى بيوتنا منكسي الرؤوس.

لحظة استرداد الوطن: أول استفتاء حر

وعندما صادفت زيارتي لمصر أول استفتاء دستوري حقيقي بعد الثورة، شعرت أن الزمن قد دار دورته. بعد 22 عامًا، أقف أمام لجنة انتخابية، وأدلي بصوتي بحرية وكرامة. لا ضغوط، لا تسويد، لا أمن يراقب من خلف الستار، لا تعليمات من الحزب الحاكم... بل شعب يقف في طوابير طويلة، سعيدًا بحقّه في الاختيار.

كان مشهدًا مهيبًا. مهرجان وطني حقيقي. رأيت من حضروا مبكرًا، نساءً ورجالًا، شبابًا وكبارًا في السن، ينتظرون دورهم بصبر واعتزاز. حكى لي أصدقائي عن أجواء التصويت في أحياءهم، وكيف كانت الناس تُعلّم بعضها، وتشجّع بعضها، وتصحح المعلومة لمن لم يفهم السؤال.

مصر التي تستفيق: العجوز التي صوتت كالرئيس

من أروع المشاهد التي لن أنساها، أنني رأيت امرأة مسنّة لا تعرف القراءة ولا الكتابة، جاءت لتدلي بصوتها بعد أن شرح لها أبناؤها معنى الاستفتاء. كانت تسير ببطء، ولكن بعزيمة. لحظة دخولها اللجنة كانت لحظة رمزية: صوتها بات يساوي صوت حسني مبارك ذاته أو أي رئيس محتمل. لقد استردّت مصر ابنتها، واستردّ المواطن المصري مكانته.

دور المؤسسة العسكرية: الحارس الصامت

من الإنصاف أن نذكر أن القوات المسلحة المصرية، في واحدة من أصعب لحظات تاريخ مصر، اختارت أن تقف إلى جوار الشعب. كان بإمكانها أن تحمي النظام القديم، كما حدث في بلدان أخرى. لكنها قرأت المشهد بعين الوطن، لا بعين الكرسي.

حين نزَلَت القوات إلى الشارع، لم تطلق الرصاص، بل حملت المصريين على الدبابات، ووقفت حائلًا بين الناس والفوضى. كانت رسالة ضمنية تقول: نحن مع الدولة، لا مع الأشخاص.

كان المشهد في الميادين يقول كل شيء دون كلمات: "الجيش والشعب إيد واحدة"، ليس مجرد هتاف، بل واقعًا تجلّى في المواقف.

مصر لن تسقط... بل تعود أقوى

حين قال المشير حسين طنطاوي عبارته الشهيرة: "مصر لن تسقط"، لم تكن مجرد كلمة سياسية، بل كانت إعلانًا رمزيًا بأن الوطن محفوظٌ برجاله ووعيه، وأن الدولة المصرية ستبقى ما بقي أبناؤها يحبونها.

اليوم، وبعد أن عبرنا تلك المرحلة، نستطيع أن نقول بكل ثقة: لقد كسبنا الحرية، ولكننا حافظنا على الدولة أيضًا. ثار الشعب، وأيّده الجيش، وانفتح الأفق، ولا تزال مصر تُكمل مسيرتها بثقة.

الخاتمة: مصر تنهض من جديد

لقد أثبت الشعب المصري أنه حين يثور، فإنه لا يحرق، بل يطهّر. وحين يطالب، فإنه لا يهدّم، بل يعيد البناء. وحين يحلم، فإنه لا يحلم لنفسه فقط، بل لأمّته كلّها.

نعم، لقد عادت لمصر شمسها الذهبية، وعاد معها شعبها... وها نحن نكتب صفحات جديدة من التاريخ، بقلمٍ حر، وصوتٍ مسموع، وإرادةٍ لا تنكسر.

الاثنين، فبراير 14، 2011

طارق حسن عامر الثورة ورجل من اسطال

تقدم اليوم طارق حسن عامر رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى، باستقالته من منصبه للدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى، وذلك عقب تظاهر العديد من موظفى البنك للمطالبة برحيل عامر وهو ما حال دون وصوله لمكتبه.
وأكد عامر أنه اتخد هذا القرار عقب اجتماع عقده يوم الخميس الماضى، حيث أبلغ محافظ البنك المركزى بعدم رغبته فى الاستمرار فى رئاسة البنك، مشيرا إلى مدى استيائه من سوء تقدير أبناء البنك له بعد ما قدمه من إصلاحات وما أحدثه من تأثير فى الاقتصاد المصرى على حد قوله.
ونفى عامر احتمالية تقديم كل من هشام عكاشة وشريف علوى ونجلاء قناوى وهم جميعا من قيادات البنك، لاستقالتهم فور قبول "العقدة" استقالته لافتا إلى أنه فوض السيد القصير المدير العام وعضو مجلس الإدارة للتفاهم مع العاملين الذين لديهم أية شكاوى.
يأتى هذا فيما أكدت مصادر بالبنك المركزى، أن الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك رفض الاستقالة