إيران ومصر بعد الثورة: بين الحذر الاستراتيجي وتوازن المصالح
علي الرغم من التفاؤل الإيراني بصعود الإخوان إلى السلطة في مصر فالعلاقة بين مصر وايران لن تكون فيها جديد ، وقد لوحظ أنه فور نجاح الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة برزت إشاعة محادثة بينه وبين الرئيس
إيران ومصر بعد الثورة: بين الحذر الاستراتيجي وتوازن المصالح
مدخل: تفاؤل إيراني لا يعبّر عن الواقع المصري
على الرغم من حالة التفاؤل الإيراني التي رافقت صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر بعد ثورة 25 يناير، فإنَّ العلاقة بين مصر وإيران لم تكن مرشحة لأي تغير جذري يُرضي طموحات طهران. فور فوز الرئيس محمد مرسي، روجت وكالة أنباء إيرانية إشاعة عن مكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، في محاولة رمزية لتسويق بداية مرحلة جديدة. لكن السياسة المصرية الجديدة لم تندفع وراء هذه المحاولات.
ففي لقاء لأحمدي نجاد مع وفد مصري زار طهران، أبدى الأخير رغبة واضحة في زيارة القاهرة قائلاً: \"كان هناك من يرفض حضورنا، وقد رحلوا الآن.. ننتظر فقط دعوة رسمية\". إلا أن هذه الرغبة لم تلقَ صدى داخل مؤسسات الحكم المصرية بعد الثورة، بل كان من المرجح أن يمتنع الرئيس المصري عن حضور قمة دول عدم الانحياز في طهران، على عكس تطلعات الجانب الإيراني.
زيارة مرسي إلى السعودية: رسالة خارجية واضحة
أولى زيارات الرئيس محمد مرسي الخارجية كانت إلى المملكة العربية السعودية، حيث أكد أن أمن الخليج \"خط أحمر\"، في إشارة مباشرة إلى أن السياسة المصرية الخارجية باتت تتمايز عن أحلام طهران. وفي لقائه بالجالية المصرية في جدة، صرح: \"إذا كانت السعودية راعية لأهل السنة، فمصر ستكون حامية لهم\".
هذا الموقف يبرز وعي الإدارة المصرية الجديدة بحساسية الملف الإيراني في المنطقة، ويدل على تموضع استراتيجي يحفظ توازن القوى، ويمنع تغلغل مشروع مذهبي توسعي يهدد أمن الدول العربية.
المشروع الإيراني في المنطقة: أبعاده وأهدافه
المتابع للتحرك الإيراني منذ عام 1979 يرى أن طهران لم تُخفِ طموحها في تصدير نموذج الثورة الإسلامية إلى الإقليم، وقد اعتمد هذا المشروع على أدوات متنوعة:
- اختراق القواعد الشعبية عبر الطائفة الشيعية سياسيًا وماليًا.
- عسكرة المذهب وتشكيل أذرع عسكرية (حزب الله في لبنان، الحشد في العراق، الحوثي في اليمن).
- إنشاء هلال شيعي يمتد من إيران إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسوريا.
- بناء تحالفات سياسية باسم \"المقاومة\" تستثمر العداء للغرب لتوسيع النفوذ.
- استغلال الحريات في بعض الدول العربية لبناء بنى تحتية سياسية موازية للدولة.
الإخوان وإيران: من التأييد إلى القطيعة الواقعية
يخطئ من يربط بين صعود الإخوان وعودة الدفء للعلاقات مع إيران. فصحيح أن جماعة الإخوان في بدايات الثورة الإيرانية قدّمت دعمًا معنويًا باعتبارها ثورة ضد الاستبداد، إلا أن الأحداث لاحقًا بيّنت أن المشروع الإيراني لا يسير في اتجاه توحيد المسلمين، بل يستثمر المذهب كأداة نفوذ سياسي وعسكري.
فقد أصيب الإخوان بخيبة أمل بسبب:
- التنكيل بأهل السنة داخل إيران.
- العلاقة الوثيقة بين طهران ونظام الأسد، رغم قمعه للتيارات الإسلامية.
- سعي إيران لتوظيف علاقتها بالقضية الفلسطينية لأغراض لا تخدم سوى مشروعها القومي.
هذا التحول في إدراك طبيعة إيران الثورة، جعل موقف الإخوان في مصر – برئاسة مرسي – أكثر واقعية، وأكثر وعيًا بالملف الأمني والمذهبي.
فرص مصر في تشكيل توازن إقليمي جديد
مع صعود الثورة المصرية، ووجود حكومة ذات شرعية شعبية، تتسع أمام القاهرة خيارات أكثر توازنًا للتعامل مع إيران:
- الدخول في حوار استراتيجي عربي-إيراني بشروط تحفظ أمن الخليج والمنطقة.
- قيادة محور سني يضم تركيا والسعودية وباكستان، لتثبيت التوازن في وجه المشروع الإيراني.
- دعم الدول الخليجية في حماية استقرارها من التدخل الإيراني المباشر أو غير المباشر.
- دعم الأزهر كمؤسسة دينية كبرى في التصدي للتغلغل المذهبي.
- مساندة الثورة السورية سياسيًا لتقليص النفوذ الإيراني في الشام.
- ضبط التمدد الشيعي في الداخل المصري في ظل الفراغ الأمني بعد الثورة.
خاتمة: أمن مصر يبدأ من الخليج إلى الأطلسي
على مصر أن تعود لمكانتها كقائد للعالم العربي والإسلامي، وأن تُسهم في تحجيم التمدد الإيراني الذي يعيش لحظة انكماش بعد انكشاف أدواره في سوريا والعراق واليمن. إن حماية الأمن القومي المصري لا تبدأ من حدودها فقط، بل من الخليج إلى المحيط، ومن منابع النيل إلى بوابات المغرب العربي.
ولن تنجح مصر في هذه المهمة إلا إذا جمعت بين الحكمة الدبلوماسية، والحزم الاستراتيجي، والقيادة الأخلاقية التي لا تستبدل الطغيان الطائفي بمصالح آنية. لقد تغيّر الزمن، وعلى الجميع أن يفهم: مصر بعد الثورة ليست كما قبلها.
–
في 2011، عقد ممثل السفارة الأمريكية في القاهرة اجتماعًا مع 16 من مشايخ الطرق الصوفية، أبرزهم الشيخ علاء أبو العزائم، في مقر الطريقة العزمية بالسيدة زينب، بحضور ممثل من جهاز أمن الدولة. استهدف اللقاء تعزيز التعاون، ونشر "الإسلام الصوفي المعتدل" في الولايات المتحدة، وتم الاتفاق على تنظيم زيارات ممولة من واشنطن، يكون أبو العزائم منسقًا لها.
كما أوصت مؤسسة "راند" RAND الأمريكية في تقرير بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" عام 2007، أن يتم دعم الحركات الصوفية في العالم الإسلامي كبديل عن الحركات الإسلامية السياسية. التقرير، الذي استمر العمل عليه ثلاث سنوات، أعدته المؤسسة ذات الطابع الأمني والعسكري، ودعا لتقوية التيارات الصوفية كجزء من "إدارة الصراع الفكري ضد الإسلام السياسي".



