الخميس، أغسطس 18، 2011

الصوفية بين اختراق المشروع الإيراني وتوظيف الدعم الأمريكي

الصوفية بين الاختراق الإيراني والدعم الأمريكي

بقلم: علي بكساوي

تحمل الطبيعة المصرية جينات التدين منذ قدماء المصريين حتى الآن، وصبغت تأثيرها على الجانب السياسي في الماضي والحاضر. واختار الرئيس السادات لنفسه لقب “الرئيس المؤمن”، وكانت جريدة أخبار اليوم قد نشرت بالصورة يومياته وهو يصلي في بيته أو يمسك مسبحة، وكان التلفزيون ينقل صلاة الجمعة والعيد بحضور الرؤساء السابقين وبصحبتهم شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية، بالإضافة إلى الاحتفال السنوي بالمولد النبوي. فالجميع تعلم من تاريخ حكام مصر علاقتهم بعلماء الأزهر، الذين كان لهم الدور الأبرز في تثبيت أركان الأنظمة، منذ ثورة القاهرة الثانية ضد الفرنسيين، وتنصيب محمد علي حاكمًا عام 1805م.

أدركت الأنظمة الحاكمة أهمية التحالف مع المؤسسة الدينية، وسعت لاختيار فصيل ديني مساند، ثم التخلص منه لاحقًا. محمد علي باشا ذبح المماليك، ونفى الشيخ عمر مكرم، وشرد من تبقى من علماء الأزهر. ثم أنشأ منصب "ناظر الأوقاف"، وأمر بالإشراف الكامل على الطرق الصوفية والمساجد ذات الأضرحة، واضعًا بذلك لبنة تهميش الدور الاستقلالي للأزهر، وهي السياسة التي تطورت لاحقًا مع الاحتلال البريطاني بقيادة اللورد كرومر، الذي وصف المتصوفة بأنهم "المسلمون العقلاء"، وساهم في إنشاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ليكونوا ممثلين رسميين للمسلمين لدى الدولة.

جمال عبد الناصر اتبع نفس النهج. بعد أن دعمه الإخوان في البداية، قام بسجنهم وتعذيبهم وإعدام قادتهم. في المقابل، نالت الطرق الصوفية رضا النظام، وسارت في ديسمبر 1967م في موكب رسمي مؤيد لعبد الناصر بعد نكسة يونيو، بحضور المشيخة العامة، فيما استُبعد التيار الإسلامي المقاوم.

وفي عهد مبارك، تجددت البيعة الصوفية للنظام، ووُصف بعض المشايخ بأنهم يبايعونه حتى عام 2100م. وصدر قانون 118 لسنة 1976 لينظم شئون الطرق الصوفية والمواكب ومجالس الذكر، وتولت الداخلية والمحافظون الإشراف على الاحتفالات. رغم ذلك، عارض علماء كبار، مثل الشيخ حسنين مخلوف والشيخ المراغي، مظاهر التصوف البدعي، وانتقده بشدة حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، معتبرًا أنه أساء لصورة الدين.

وفي أعقاب ثورة يناير 2011، بدأ مرشحو الرئاسة محاولات استقطاب الطرق الصوفية، مثل أيمن نور، وحمدين صباحي، ومحمد البرادعي، الذي زار الطريقة الرفاعية في السيدة زينب، وردت بعض الطرق بتنظيم مليونية صوفية مضادة لمليونية الإسلاميين في جمعة 9 يوليو 2011.

إيران والصوفية

إيران دولة عقائدية يحكمها "ولي الفقيه"، القائد الديني الأعلى للمذهب الشيعي الإثنا عشري. ومنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، اتبعت استراتيجية "تصدير الثورة"، واستغلت حب المصريين لآل البيت ومقاماتهم لاختراق المجتمع المصري. وكان التصوف أحد بوابات هذا الاختراق.

العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حذّر من التغلغل الشيعي في مصر، مشيرًا إلى محاولات نشر الفكر الاثنا عشري تحت غطاء حب آل البيت. في المقابل، صرح الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الصوفي، بعد توليه المنصب في عهد مبارك، بأنه سيدرس المذهب الجعفري في الأزهر، مما أثار استهجان الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وتقدم النائب علي لبن بسؤال رسمي في البرلمان.

وقد دعم الفكرة الدكتور سليم العوا، الذي حصل على "وسام الخميني من الدرجة الأولى"، ودافع عن خلية حزب الله في مصر، وصرح صراحة بجواز إنشاء أحزاب شيعية في مصر. كما عارض فتوى القرضاوي التي حذرت من الغزو الشيعي، ما أدى إلى إقالته من منصبه كأمين عام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

أما الشيخ محمد علاء الدين أبو العزائم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، فقد هاجم القرضاوي بعنف، معتبرًا أن هجومه على الشيعة يثير الفتنة الطائفية، بل وذهب أبعد من ذلك في عقد لقاءات مع مسؤولين إيرانيين.

وتُضاف إلى القائمة شخصيات أخرى كان لها دور في دعم مسار التقريب، مثل الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم الإخوان في أوروبا، والمعروف بزياراته لإيران وعلاقاته بالمرجعيات الشيعية، وكذلك الدكتور إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، الذي رعى مؤتمرات في لندن جمعت ممثلين شيعة وسنة تحت شعار التقريب، فيما اعتبره البعض محاولة لإعادة تشكيل التحالفات على أسس تتجاوز المذهب.

الصوفية والدعم الأمريكي

لقاء مشايخ الصوفية والسفارة الأمريكية في 2011، عقد ممثل السفارة الأمريكية في القاهرة اجتماعًا مع 16 من مشايخ الطرق الصوفية، أبرزهم الشيخ علاء أبو العزائم، في مقر الطريقة العزمية بالسيدة زينب، بحضور ممثل من جهاز أمن الدولة. استهدف اللقاء تعزيز التعاون، ونشر "الإسلام الصوفي المعتدل" في الولايات المتحدة، وتم الاتفاق على تنظيم زيارات ممولة من واشنطن، يكون أبو العزائم منسقًا لها.

وقال الشيخ محمد الشرنوبي، أحد الحاضرين، إن ممثل الإدارة الأمريكية أكد أن التصوف هو النموذج الإسلامي الوحيد المقبول في بلاده، نظرًا لابتعاده عن الصراع السياسي. وقد أبدى السفير الأمريكي آنذاك، فرانسيس ريتشاردوني، اهتمامًا خاصًا بالتصوف، وداوم على حضور الموالد الكبرى كمولد السيدة زينب والسيد البدوي، ومجالسة المشايخ في حلقات الذكر.

السفير الأمريكي ريتشاردوني مع الصوفية كما أوصت مؤسسة "راند" RAND الأمريكية في تقرير بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" عام 2007، أن يتم دعم الحركات الصوفية في العالم الإسلامي كبديل عن الحركات الإسلامية السياسية. التقرير، الذي استمر العمل عليه ثلاث سنوات، أعدته المؤسسة ذات الطابع الأمني والعسكري، ودعا لتقوية التيارات الصوفية كجزء من "إدارة الصراع الفكري ضد الإسلام السياسي".

خاتمة

رغم أن المقال كُتب عام 2011، إلا أن الأسئلة التي يطرحها لا تزال قائمة. هل الدولة تدعم الصوفية كتيار ديني بديل لمواجهة الحركات الإسلامية السياسية؟ وإذا كانت هذه الحركات مطالبة بمواجهة مشروع التصوف السياسي، فهل يمكنها فعلًا ذلك في ظل تواطؤ دولي ومحلي لصالح "الإسلام الناعم"؟

المقال لا يدعو للصدام، بل للفهم. فالحركات الإسلامية مطالبة بقراءة الخارطة كاملة: من يدعم من؟ ولماذا؟ وأين تقف الدولة من الدين؟ وأين تقف إيران والولايات المتحدة من التصوف؟

نُشر أول مرة بتاريخ 18 أغسطس 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق