من اسطال الى اسطنبول
رحلتي إلى إسطنبول – حين التقت التجارة بالتاريخ

حين أخبرني صديق مقرب أنه متجه إلى تركيا، شعرت أن لحظة طال انتظارها قد حانت، إذ كنت أنوي زيارة إسطنبول منذ فترة طويلة، لكن العمل والظروف أخّرتني. كانت المناسبة هي مؤتمر الموصياد المنعقد في إسطنبول في الفترة من 6 إلى 10 أكتوبر، وهو مؤتمر اقتصادي كبير يقام تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي، ويهدف إلى دعم التجارة والصناعة والتبادل بين الدول الإسلامية.
إسطنبول.. مدينة الفاتح والنبوءة النبوية
إسطنبول ليست مجرد مدينة تركية عادية؛ إنها القسطنطينية التي حلمت بزيارتها منذ قرأت عنها في كتب التاريخ الإسلامي، وتذكرت حديث النبي ﷺ حين قال عن فتحها:
"لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" – رواه أحمد والحاكم.
حين حطّت الطائرة في مطار إسطنبول الدولي، شعرت بشيء من العزّة، فأنا الآن أسير على أرض فتحها محمد الفاتح وامتزجت فيها حضارات المسلمين والأوروبيين لقرون. الرحلة من جدة كانت مثيرة، خاصة أنها حلقت فوق أرض مصر، ومرّت بمحاذاة نهر النيل ثم فوق القاهرة والمنصورة، قبل أن تعبر البحر المتوسط إلى الأراضي التركية.
حوار طريف في المطار التركي
عند وصولي إلى الجوازات، نظر الموظف التركي إلى اسمي "بكساوي" وسألني بالتركية إن كنت من أبناء البلاد. استغربت سؤاله، وطلبت منه الحديث بالإنجليزية، فقال إنه يظنني تركيًا بسبب الاسم. أخبرته أنني مصري، فابتسم وقال إن الاسم يبدو تركيًا لكنه لا يعرف معناه بدقة. شعرت بلحظة فخر غريبة، كأن اسمي نفسه يحمل جذورًا عابرة للحدود.
حضور المؤتمر: كلمات بالأرقام وقادة بلا أوراق
انتقلنا بالباص إلى مركز المؤتمرات حيث أقيم المؤتمر الرسمي. وكان من بين المتحدثين في حفل الافتتاح عدد من الشخصيات البارزة: المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة المصري حينها، وطارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي، ورئيس الوزراء التركي .
الملفت للنظر أن المتحدثين العرب تحدثوا من أوراق مكتوبة بتفاصيل دقيقة عن العلاقات الاقتصادية، بينما تحدث أردوغان ووزير التجارة التركي بطلاقة ودون أوراق، بلغة الأرقام والحقائق. قال أردوغان ما زال يرنّ في أذني:
"منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، انخفضت ديون تركيا من 23 مليار دولار إلى 6 مليارات، بل قدمنا اعتذارًا للبنك الدولي هذا العام عن طلب قروض جديدة."
إسطنبول... الدهشة والنظام
لم أكن أتوقع أن تبهجني المدينة إلى هذا الحد. نظافة الشوارع، دقة المرور، احترام المساحات العامة... كل ذلك جعلني أعيد المقارنة دون قصد مع ما كنت أراه في بعض مدننا الكبرى. كيف استطاعوا تنظيم مدينة يقطنها أكثر من 12 مليون نسمة بهذا الانضباط؟
تجولت في شوارع إسطنبول، ورأيت التاريخ في الأبنية والروح في الناس، وقلت في نفسي: "هذه مدينة تعرف كيف تحترم ماضيها دون أن تتوقف عن بناء مستقبلها".
خاتمة: حين تسافر مصر معك
رغم الجمال والنظام، ورغم التاريخ الذي يتنفس في جدران إسطنبول، إلا أن القلب يبقى مصريًا. فكل مدينة نزورها، وكل مؤتمر نحضره، وكل تجربة نعيشها، تظل مرآة نقيس بها موقعنا نحن.
رحلتي إلى إسطنبول لم تكن مجرد زيارة إلى مدينة جميلة، بل كانت نافذة رأيت منها حجم التحدي، وكم نحن قادرون لو أردنا. مصر لا تنقصها الطاقات ولا العقول، فقط تحتاج للإدارة والانضباط والنية الصادقة... فإذا توفرت، فإن النتيجة ستكون أروع مما نتخيل.
رحم الله من قال: "إن مصر إن صحت... أقامت الدنيا كلها واقفة".